التلفزيون والأسرة: العلاقة غير المتكافئة لقد بات من المؤكد أن قضايا الإعلام اليوم تشكل أحد أهم دعامات الثورة التكنولوجية الحديثة في الاتصالات، وانعكس بلا شك ذلك على الإنسان المعاصر نظراً للتغييرات المستحدثة في آلياته والمستجدات في نمط حياته مقارنة مع ما كانت عليه في العهود السابقة، حيث أحدث الإعلام انقلاباً شبه جذري في كل مجالات الحياة المعاصرة وسلوكات أفراد المجتمع، وطالت التغيرات الأعراف والقواعد والقيم الاجتماعية، هذا فضلاً عما تعرضه وسائله المتعددة في الأجواء العالمية، بعدما حولت العالم إلى قرية صغيرة...
وقد نجحت السياسة بكل مقوماتها وأساليبها في توجيه دفة الإعلام نحو أهدافها الاستراتيجية المرسومة، وتعريض البشرية لحروب وأزمات مفتعلة تارة وحقيقية تارة أخرى. فتوجيه العالم نحو أهداف السياسة بات من مهام الإعلام ووسائله المؤثرة خاصة التلفزيون الذي أضحى القوة الأكثر تأثيرا في العمل على تحطيم القيود الاجتماعية وإعادة التنشئة وفق مفاهيم تربوية جديدة في السلوك الاجتماعي وإقامة العلاقات على أسس مغايرة... لذا يصعب الحديث عن التلفزيون بصيغة المفرد، لأن هناك عدة تلفزيونات ذات أنماط مختلفة من التمويل وذات وظائف وأدوار مختلفة ومضامين متباينة وإمكانيات تكنولوجية متفاوتة، ولكن مهما تعددت التلفزيونات فإنها تؤكد على أن الإنسان لا يتعلم بالعقل فقط بل بالعاطفة والجسد أيضاً، فالتلفزيون هو متعة الاستعراض والمشاهدة والفرجة. إن التلفزيون الذي أصبح يحتل مكانة مهيمنة في فضاء الاتصال الجماهيري يوفر اليوم مادة إنتاج ثقافي وفكري غزير، ويشكل ملتقى نقاش يشتد تارة، ويلين تارة أخرى، تشارك فيه مجموعة من مختلف الاختصاصات والمهن: الساسة والمؤرخون، والكتاب والفنانون والمخرجون، والفلاسفة والسينمائيون، وعلماء الاجتماع والنفس، وعلماء الاقتصاد، والحقوقيون والصحافيون ونقاد الفن. تطرح العلاقة التربوية بين الطفل والإعلام بصفة عامة والتلفزيون على وجه الخصوص إشكالية تربوية بالغة الأهمية والتعقيد، وشكلت هذه العلاقة محورا أساسيا للعديد من الدراسات والأبحاث على المستوى التربوي خلال العقود الأخيرة من القرن الذي ودعناه، فاقتران كلمتي التلفزيون والطفل كثيراً ما يوحي بانطباع سلبي لدى المستمع أو القارئ.. كما لو أن التلفزيون والأطفال لا يتفقان مع بعضهم البعض وذلك من حيث ما يقدمه التلفزيون من برامج أحياناً ، وما نريد نحن أن نقدمه لأطفالنا، وقد أجريت في البلدان العربية وفي المغرب العديد من الدراسات حول تأثير التلفزيون على الطفل، وبعض هذه الدراسات لم تخل من وجهات نظر خاصة وآراء ذاتية، كما أن عوامل الضبط في هذه الدراسات لم تكن كافية، والواقع أن التلفزيون بما يملكه من خصائص يعمل على استقطاب اهتمام وعقول الأطفال والمراهقين وحتى الكبار الذكور منهم والإناث... فالتلفزيون ينافس اليوم المدرسة والأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية، مما أدى إلى إثارة اهتمام المفكرين وتجادلهم في الآثار السلبية المحتملة التي يمكن أن يتركها التلفزيون في حياة الأطفال النفسية والاجتماعية. يكاد يجمع الباحثون اليوم على أهمية الدور التربوي الذي يؤديه التلفزيون في حياة الأطفال، وهم يجمعون أيضاً -بلا ريب- على جملة من الآثار السلبية التي يتركها التلفزيون في حياة الأطفال النفسية والاجتماعية. فهو يؤثر في انفعالات المشاهد وفي سلوكاته كما يؤثر في قيم المشاهد، وعاداته، وأخلاقياته في حياته الأسرية والاجتماعية وغير ذلك، ويكون هذا التأثير أكثر شدة على الطفل الصغير محدود الخبرة والتجربة في الحياة وليس لديه القدرة على النقد والتحليل، إن برامج التلفزيون تعمل على تلقين المادة الإعلامية بطريقة مخططة ومنظمة وهادفة، وتعمل على تشكيل فكر الطفل ووجدانه وسلوكه وقيمه على نحو إيجابي أو على نحو سلبي، ومعظم هذه البرامج لا يربط بينها نظام، أو منهج، أو خطة تربوية تعليمية أو توجيهية، وهي برامج قلما تعتمد على أي تقاليد أو قيم علمية، وما زالت هذه البرامج التثقيفية والتعليمية التي تتصدر بعض البرامج والمسلسلات الموجهة للطفل العربي تتخبط ضمن إطارين هما إما استيراد برامج تربوية ترفيهية غربية للطفل العربي ومنه المغربي، وهي لا تحمل مضامين تتناسب مع قيمنا وعاداتنا، أو أنها تقوم بإعداد وإنتاج برامج ومضامين بعيدة كل البعد عن اهتمامات الطفل العربي وحاجاته ومشكلاته الأساسية... الأسرة في مواجهة التلفزيون تنتشر الفضائيات وتمنحنا خيارات عديدة إلى حد الحيرة في الاختيار، فالوالدان هما - بشكل عام - الأكثر تأثيراً في تشكيل شخصية الطفل في المراحل الأولى في حياته وهما البنك المعرفي الذي يزود الطفل بالمعلومات، ويرد على تساؤلاته واستفساراته عندما يحاول أن يفهم ما يدور حوله، وينعكس ذلك إيجابياً على الطفل، فالاحتكاك المباشر مع الطفل يجعل الأم أكثر إحساساً ودقة ومعرفة بالتغيرات التي تطرأ على طفلها. لقد أخذت العلاقة بين أفراد الأسرة شكلاً مختصراً بدخول التلفزيون إلى منازلها واتساع المساحة الزمنية المخصصة للبث، وصار بإمكانها، من خلال التحكم عن بعد، التنقل بين القنوات المتعددة كما تشاء، وعاشت في نطاق ضيق، وأصبح هذا الضيف يفرض نفسه على سهراتنا العائلية الحميمية وأصبح التلفزيون ثالث الأبوين، وربما أولهم، بالنسبة للطفل، ومع الأسف، فإن الأبوين كثيراً ما يدفعان الأطفال في هذا الاتجاه تهرباً من المسؤولية الملقاة على عاتقهما، أو لإلهائهم وضمان هدوئهم؛ وبذلك تضاف إلى هذا الجهاز وظيفة أخرى هي وظيفة \"جليس الأطفال\". وبهذا أصبح التلفزيون عضوا مهما داخل الأسرة، وفرض نفسه بشكل ملفت حيث بات يتمتع بمكانة خاصة \" لضيف فوق العادة \"، إنه يحظى بكل العناية والتقدير ويحاط بالرعاية والاهتمام المنقطع النظير.. فقد غدا اليوم بلا منازع، أقوى وسيلة إعلامية ذات قدرة فائقة على النفاذ إلى كل البيوت، فهي قادرة على تشكيل الذهنيات وإعادة إنتاج المجتمع والتحكم في توجهاته الراهنة والمستقبلية. كيف استطاع هذا الضيف أن يتحول إلى عنصر مألوف لدى جميع أفراد الأسرة؟ كيف تمكن من مشاركة الأسرة ومزاحمتها في تربية وتنشئة أطفالها وكيف عمل على تهميشها تدريجيا؟ وما هو النظام الجديد الذي خلقه في فضائها؟ دأبت الدراسات النفسية والاجتماعية في تحليل مضمون العلاقة بين الفرد والتلفزيون على الانطلاق من خلية الأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية لمقاربة هذه العلاقة، وبالأخص لدى الطفل وهذا ما يؤكده عدد من الباحثين بأن التلفزيون ليس له تأثير مباشر على المشاهد وإنما الشروط التي يتعاطى من خلالها المشاهد إلى هذا الجهاز هي الحاسمة في مجال هذا التأثير[i]. إذا كانت الأسرة تقوم بعملية إدماج الطفل في نسيج الثقافة الاجتماعية عبر عملتي الجزر والعقاب حينا والوعظ والإرشاد أحيانا أخرى، فإن التلفزيون لا يستعمل هذه الوسائل بل يتجاوزها إلى وسائل أخرى تتمثل في إمكانية تلقين الأطفال المعلومات والخبرات عن طريق ازدواجية الخير والشر مثلا التي تروج لها القصص التلفزيونية الموجهة للأطفال. وتبقى إمكانية التلفزيون في هذا المجال مدهشة، حيث بإمكانها توظيف بعض الوسائل في غرس الثقافة الاجتماعية في لا شعور الطفل عندما تعمل آلية التقمصIdentification المعهودة التي تتغذى أساسا بشساعة خيال الطفل. وتذهب بعض الدراسات الأمريكية في نفس الاتجاه[ii] لما حاولت ضبط التحولات التي تطرأ على الأسرة ككل عندما أضحت الشاشة الصغيرة أداتها الأساسية في الترفيه ، منها دراسة الباحث ألبيج الذي سعى لدراسة مدى مساهمة التلفزيون في تعزيز بعض المقولباتstéréotypes حول ربات البيوت أو الزوجة من خلال نماذج معينة يقدمها التلفزيون، وتوصل الباحثون إلى أنه في المجتمعات المتقدمة عوض أن يخضع الأفراد لتغيير ما يظلون هم أنفسهم على حالهم، ويبدو أن التلفزيون يجعل منهم مرة أخرى ما هم عليه من قبل، أي إعادة إنتاج نفس الإنتاج الثقافي، بل يرسخ الوجود الذي هم عليه، وينسحب هذا على المجتمعات المعاصرة التي تبدو غير قادرة على تجاوز المرحلة التي وصلت إليها في أشكال وعيها، بل على العكس فهي لا تتوانى في إثباتها وإعادة تشكيلها في كل مرة تتهدد فيها. ومادامت المجتمعات ليست كلها على درجة واحدة من التقدم، فإنه يجب استحضار أن أفرادها ليسوا على درجة واحدة من الوعي فبالأحرى إذا نظرنا إلى فارق النضج بين الكبير والصغير، أي بين الراشد الذي اكتسب عددا لا يستهان به من القدرات الذهنية والطفل الذي لا يزال في طور النمو والاكتساب والحاجة إلى الآخر... وهذا يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن طبيعة العلاقة القائمة بين التلفزيون والأسرة في مجتمعاتنا النامية \"حيث إن كثيرا من البرامج التي تعرضها التلفزيونات العربية مستوردة ولا تنسجم دائما مع البيئة الاجتماعية العربية... واقتحام التلفزيون للبيئة العربية يساعد على زيادة الفجوة بين العادات والتقاليد المعروفة وبين الظروف المتغيرة الجديدة\"[iii]. وهكذا فإن تعلم مجموعة من أنماط السلوك لم يعد يقتصر على الأسرة أو الجماعة التي ينتمي إليها الفرد، بل إن التلفزيون يكسب الطفل قيما وأنماط سلوك جديدة، فالطفل أكثر الفئات تأثرا بالتلفزيون فهو لا يكتفي بمشاهدة البرامج الخاصة به، بل يتابع حتى البرامج المخصصة للكبار، ودلت دراسة عربية حديثة تهدف إلى معرفة معايير النمو الطفل ما قبل المدرسة إلى أنه إذا كان 90 % من الأطفال يقضون وقتهم أمام شاشة التلفزيون فإن 2.8% فقط منهم من يشاهد البرامج الخاصة بهم، أما نسبة 76.2% تشاهد بالخصوص برامج الكبار[iv]. وبينت دراسة أجريت في إحدى المدن الأمريكية أن الأطفال يشاهدون من برامج الكبار ما يعادل أربعة إلى خمسة أضعاف ما يشاهدونه من البرامج الخاصة بهم. وتتعزز هذه المواقف أكثر عندما تغيب رقابة الآباء، فالأطفال يصبحون أسياد أنفسهم يستهلكون البرامج التلفزيونية في غياب تام لآبائهم وقد يزيد الوضع تعقيدا عند وجود أكثر من جهاز تلفزي لدى الأسرة الواحدة. وبهذا الصدد يقول إيريك شوفاليي E.Ch-- # وصلة ممنوعة 1775 # --ier \"إن الآباء يلعبون دور الوسيط ، ينبغي أن يعملوا على توجيه أبنائهم لما يريدون مشاهدته، إلا أن ما نلاحظه هو أنهم يجهلون المنتوجات التلفزيونية بحيث أنهم يتحدثون عن برامج لم تعد موجودة منذ عدة سنوات...\"[v] وعلى هذا الأساس فإن التلفزيون يسعى دائما إلى ملء الفراغ والفجوات التي يتركها الآباء إلى درجة أضحى الأطفال في كثير من الأحيان وكأنهم أبناء طبيعيين للتلفزيون! إنه بفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي شهدتها الأسرة المغربية، وتراجع الوظائف والأدوار التي كانت تقوم بها إما لصالح الدولة أو المؤسسات الخاصة، فإن التلفزيون بات يحتل موقعا متميزا داخل فضاءات البيوت لعله يمثل تعويضا لا شعوريا عن انهيار السلطة الأبوية التقليدية وتلاشي دور الجدة بالنسبة إلى الصغار...\" إذ لا يمكن فصل التلفزيون عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لظروف الأسرة والطفل الذي ينتمي إليها، بل لابد أن يتموضع في سياق عام إلى جانب وسائل اتصال أخرى (..) فكل هذه المؤسسات مسؤولة على ما يبدو، وبأشكال مختلفة، أمام أية سلبيات أو مخاطر أو انحرافات يمكن أن نلاحظها في المجتمع ..\"[vi]. وأمام هذا الوضع نجد أنفسنا في كثير من الأحيان أمام نمطين تربويين متباينين (الأسرة / التلفزيون): èأسرة محافظة لا تستطيع مواكبة التطور المعرفي الهائل الذي يميز الحضارة الإنسانية اليوم، منخورة داخليا، وغالبا ما ترفض الأشكال المقدمة في التلفزيون وتضطر شكليا إلى مسايرة الحداثة باقتناء جهاز التلفزيون تحت ضغوط متعددة. وبالتالي القبول مبدئيا بما يحدثه هذا الجهاز من تأثيرات غير مرغوب فيها لاسيما على الأطفال والمراهقين، وخاصة عندما تفشل إمكانية التحكم فيه وهذا ما يتم غالبا. èتلفزيون موجه يحاول خلق مجتمع يساير متطلبات العصر الحديث، ويعرض كثيرا من البرامج التي لا تنسجم بالضرورة مع البيئة الاجتماعية، ويعمل على تعميق الفجوات بين أجيال الأسرة ويحدث شروخا بين العادات والتقاليد، وبين الظروف والمتغيرات الجديدة، ويهدد بلا شك نظام الثقافة والهوية ككل. إنها معركة غير متكافئة بين الطرفين ويصعب في كثير من الأحيان التكهن بنتائجها وعواقبها، إلا أن الثابت هو قدرة التلفزيون على تعطيل الحوار الأسري وخلق أجواء متوترة على الدوام بالنسبة للعديد من الأسر.. إن مساحة ودفء الحوارات الأسرية صادرها التلفزيون وعاد من الناذر جدا أن تجد اليوم أسرة يتحاور أعضاءها بشكل مستمر ودائم، فمتابعة المسلسلات والبرامج... غالبا ما تعطل إمكانية التحاور والتشاور العائلي، \"فالتلفزيون يفرض بشكل مطلق الصمت لدرجة أصبحت هذه الوضعية تعبر عن نوع من النمطية تميز الفضاء الأسري والتي باتت ظاهرة تستحق الدراسة من قبل المربيين، بل إنها بتعبير آخر تعدم الحوار الذي من أجله وجدت الأسرة..\"[vii]، بل في المقابل قد تخلق شجارات بين أفراد العائلة أمام رغبة كل طرف في مشاهدة برنامجه المفضل، فالرياضيون يفضلون البرامج الرياضية وربات البيوت عادة ما يتابعن المسلسلات... وإذا لم يكن تغيير القنوات السبب في الشجارات العائلية الحادة، فإن مشكلة النوم المبكر لدى الأطفال تطفو إلى الواجهة[viii]. وعلى هذا الأساس إذا قلص التلفزيون مساحة الحوار وساعات النوم لدى الأطفال، فهو عمل في المقابل على توسيع هامش الصراعات الأسرية لما في ذلك من تأثير بالغ الخطورة على الأطفال. يضاف إلى ذلك أن التلفزيون قد قلص بشكل كبير من أوقات اللعب بالنسبة للصغار بالرغم أهمية اللعب في بناء شخصية الأطفال وتنمية وصقل قدراتهم ومواهبهم، حيث انشغلوا في متابعة المواد التلفزيونية لمدة طويلة... كما أنه ساهم في تقصير الآباء في واجباتهم الأسرية تجاه أطفالهم أو تجاه التزاماتهم الأخرى، فالأم في كثير من الأحيان تهمل تتبع أبنائها ورعايتهم بالشكل المطلوب، كما ينصرف الأب لدى دخوله إلى البيت إلى التلفزيون غير عابئ بما يحدث داخل سقف المنزل... موقف الأسرة من التلفزيون عموما هناك من يعتبر التلفزيون أداة تربوية تعليمية، وأنه يزيد من قدرات أطفالهم فكرياً وثقافياً، وأنه يكسب الأطفال عادات وقيماً مرغوباً فيها، ويذهب بعضهم إلى الاعتقاد بأن التلفزيون يشكل رابطة أسرية هامة، وأنه لا يشكل خطراً يهدد حياة الأسرة، كما ترى بعض الأمهات أن التلفزيون يشكل عامل تنظيم داخل الأسرة، فهو أحد أساليب الضبط والتوجيه التربوي داخلها، وفي هذا يبدو أن الأسرة قد تنازلت عن بعض أدوارها في التنشئة الاجتماعية لفائدة التلفزيون[ix]، لكن بعض الناس ينظرون إلى التلفزيون بوصفه أداة استلاب وقهر ثقافي وتربوي، وهم يركزون على مخاطر البرامج التلفزيونية وعلى آثارها السلبية في عقول الأطفال. وثمة مضامين إعلامية تريد من الطفل أن يستهلك الأطروحات الأيديولوجية والسياسية المطروحة عليه، في حين تسعى مضامين أخرى إلى أن يكون كائناً استهلاكياً مجرداً في زمن الاستهلاك المنقطع النظير، ووفق هذا المنظور تقوم البرامج الموجهة بإثقال عقل المشاهد بمواد لا فائدة منها لتجعله في النهاية إنساناً فارغاً وتحاول أن تتحكم في تصوراته ومعتقداته ليكون فرداً سلبياً ومطواعاً وقابلاً للتوجيه وفق غايات الإمبراطورية الإعلامية العالمية! وهكذا يمكن القول وبشكل عام بأن التلفزيون يتحكم بطريقتين: - الأولى رسمية وتتصل بقيم التنشئة الاجتماعية والسياسية وبمبادئ المعتقد. - الثانية غير رسمية وتوجه القيم الجمالية والذهنية والسلوكية واللباسية وحتى كيفية التعامل مع الأقران[x]. وفي هذا المجال لا بد من تدخل الأهل من أجل ضبط مشاهدة أطفالهم للتلفزيون، مع تقدير ملكات الطفل ورغباته بما يتناسب ونوعية البرامج وخصوصيتها. وهنا نؤكد على احترام رأي الطفل، ولكن بتحديد وقت المشاهدة وعدم تركه لساعات طويلة أمام التلفزيون، وذلك عن طريق الحوار والمناقشة والابتعاد عن القسر التعسفي، وجعل الحوار عفوياً طبيعياً، ومنعهم من مشاهدة أفلام العنف، فالتعرض المتكرر لوسائل الإعلام العنيفة يعلم العنف، ويحفز من لديهم الاستعداد للتصرف بعدوانية ( سنتطرق إلى ذلك في فصل لاحق ). إن الطفل الذي يظل وحيداً ولمدة طويلة يشاهد التلفزيون، ولا سيما البرامج العنيفة، لن يكون طفلاً سعيداً، وهذا كله يتوقف على فعالية الأهل ومدى مراقبتهم وتوجيههم. فلا بد من سيطرة الأهل بالتفاهم مع الأطفال على التلفزيون، ومساعدتهم في فهم واستيعاب ما يقدم لهم ومن ثم الاستفادة مما يشاهدونه. لكن هذا لا يعني في نفس الوقت أن آثار التلفزيون في مجملها سلبية على الأسرة، بل أكدت بعض الدراسات المغربية عن أهميته، فبفضله عبرت مجموعة من الأسر عن رغبة جامحة في التعلم والاطلاع وعن تعطش كبير للانفتاح على العصر، بحيث إن بعض البوادي المغربية التي ينعدم فيها الكهرباء تحمل بطارية التشغيل من الأسواق الأسبوعية وغيرها كما تحمل مواد التموين ... إن الأسرة القروية إذن تقاوم العزلة ـ كما عبرت فاطمة المرنيسي عن ذلك[xi] – عندما جعلت من التلفزيون إحدى مقومات وجودها الاجتماعي، ونسوق هنا أمثلة لنماذج من المقاهي الشعبية في التجمعات القروية حيث يتم عرض أفلام فيديو أو أفلام القنوات الفضائية... ليتجمع شباب القرية كل مساء لقضاء أوقات ممتعة في حضرة التلفزيون. وعموما لابد من إيجاد حالة من التوازن ما بين التلفزيون في شكله الحالي المهيمن على القلوب والعقول وبين الأسرة التي بدأ دورها يتراجع بوضوح لصالح هياكل اجتماعية جديدة. ولعل هذا يتطلب إستراتيجية واضحة لإعادة الاعتبار لدور الأسرة في التنشئة الاجتماعية، حيث إنها تشكل أمثل فضاء لتنشئة الأطفال وإعدادهم للاندماج في المجتمع.