إن زيادة حجم إستخدام المورد المعلوماتي في إدارة دفة جل النشاطات البشرية المعاصرة قد فرضت إعادة تشكيل مفاهيمنا حول أبواب استخدامها قطاعات متعددة، وبأساليب يستثمر من خلالها ما توفره البيئة الرقمية للمعلومات من إمكانات مميزة.
بصورة عامة، هناك أكثر من نهج في تعريف الدور الذي تضطلع به المعلومات في عملية المواجهة مع الخصم. في البداية كانت المعلومات تعد المورد الأساسي الذي يدعمنا في التعامل مع الآخر في ضوء البيانات التفصيلية التي يوفرها عن جميع أشكال تحركاته وسكناته. بيد أن دخول تقنيات المعلومات الرقمية إلى ساحة المتغيرات المعاصرة، قد ساهم في تغيير دورها الذي تمارسه عنه محاولة التأثير على الغير.
فتقنيات البث المرئي (القنوات التلفزيونية عبر الأقمار الإصطناعية، ومواقع الإنترنت بمختلف أشكالها) قد وفرت مناخاً جديداً لبروز آليات جديدة يمكن توجيهها نحو الآخر بغرض الكسب، أو إضعاف الإرادة، وخلخلة المنظومة المفاهيمية لديه.
لقد أضحى مفهوم المواجهة الإعلامية المعلوماتية يشمل مجموعة النشاطات التي نمارسها بواسطة البيئة المعلوماتية الرقمية بقصد التأثير على منظومة الإدراك لدى الخصم وقدراته التقنية، مع ضمان توفير الحماية الذاتية لمنع وقوعنا في النشاط المشابه الذي يمارسه تجاهنا للغرض نفسه. ويمكن ممارسة هذا النمط من المواجهة الإعلامية من خلال توظيف مختلف أشكال الوسائط الإعلامية، سواء عبر القنوات الفضائية، أو مواقع الوِب المنتشرة في الفضاء المعلوماتي للإنترنت، حيث تتوفر فرصة خصبة، ووسائط تأثيرية مرئية مسموعة يمكن استثمارها لتحقيق تأثير إعلامي واسع، على مساحة واسعة من الجماهير، وبتكاليف زهيدة.
لقد شدد زفرانسكي في معالجته لهذه المسألة على ضرورة توظيف السلاح الإعلامي المعلوماتي (بمختلف أشكاله) لضمان التأثير على جميع عناصر المنظومة المعرفية لدى الخصم بوصفها نظاماً شاملاً يضم جميع العناصر التي يمارس من خلالها نشاط المواجهة إزاء الآخر.
بمعنى آخر، باتت المواجهة الإعلامية المعلوماتية المعاصرة تتعامل مع جميع المفردات المعلوماتية التي يتلقاها الكائن البشري (بوصفه فرداً، أو مجموعة، أو كياناً إجتماعياً) بوصفها معلومات حقيقية أو موضوعية، وبصرف النظر عن طبيعة الجانب الذي تحتله ضمن دائرة المتغير المعرفي الصرف، أو ضمن دائرة منظومة الإعتقاد.
وعلى هذا الأساس عدّ زفرانسكي مسألة دروة المهارة (بحسب البناء النظري الذي تبناه في المعالجة) مظهراً على قدرتنا في توظيف المتغير المعلوماتي كسلاح ذي تأثير ملموس، بقصد دفع الخصم الإحجام عن مواجهتنا عن طريق التحكم بمنظومة الوعي لديه.
وعليه سيكون هدف السلاح الإعلامي المعلوماتي هو المعلومات ذاتها، حيث تستودع داخل المنظومة المعرفية لدى الآخر، وتساهم في تفعيل إرادته وقدراته الذاتية التي يفتقر إليها بشدة عندما يستشعر تهديداً مفاهيمياً أو أمنياً يمس كيانه الذاتي، أو المجموعة التي يشترك معها، أو الكيان المجتمعاتي الذي ينتمي إليه