جرت العادة عند بعض الناس (كنت واحدا منهم) أن يصوموا ليلة الإسراء، وبما أن يوم غد الأربعاء هو 26 رجب فقلت في نفسي: لم لا أبحث عن فضائل صيام هذا اليوم؟
و بمجرد ظهور نتائج البحث إذا بي أتفاجأ، لأن هذا اليوم منهي عن صيامه. و الدلائل هي:
اجاب فضيلة العلامة د. يوسف القرضاوي بالنفي على صحة ما اعتاد عليه بعض المسلمين من تخصيص ليلة السابع والعشرين من رجب بالصيام أو القيام ووضعه في اطار ما ابتدعه الناس بأهوائهم، ولم يشرعه الله ورسوله ولا عمل به الراشدون المهديون من خلفائه، ولا دعا إليه أحد من أئمة الهدى.. واستشهد فضيلته بابن تيمية وابن القيم مشيرا الى نصوص لهما تؤيد اجتهاده في هذه الفتوى..
وقد جاء السؤال الى فضيلته: هل ورد في صيام السابع والعشرين من رجب ثواب مخصوص.. وما حكم صوم هذا اليوم المبارك؟ وهل صحيح أن ليلة السابع والعشرين من رجب أسري فيها برسول الله؟
فأجاب قائلا:" الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد: من الصيام المحرم: ما ابتدعه الناس بأهوائهم، ولم يشرعه الله ورسوله ولا عمل به الراشدون المهديون من خلفائه، ولا دعا إليه أحد من أئمة الهدى. ومن ذلك صيام اليوم السابع والعشرين من رجب، باعتباره اليوم الذي كان صبيحة ليلة الإسراء والمعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم. فمن الناس من يصوم هذا اليوم باعتباره من أيام الإسلام، التي أنعم الله فيها على نبيه بنعم كبرى، يجب أن تذكر فتشكر.
ونعم الله على نبيه الكريم نعم على أفراد أمته، فشكرها واجب عليهم، ومن مظاهر هذا الشكر أن تصام تلك الأيام التي تحمل ذكريات عظيمة. وكل هذا لا دليل فيه على شرعية الصيام، فقد أمر الله المسلمين بذكر نعم كثيرة عليهم، مثل قوله لهم بمناسبة غزوة الأحزاب: (اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها) الآيات. ومع هذا لم يذكروا النعمة بصيام هذه الأيام، كلما هبت ذكراها في شوال، وغيرها وغيرها.
قال ابن القيم في (زاد المعاد) في شأن ليلة الإسراء نقلاً عن شيخه ابن تيمية: (لا يُعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها، ولهذا لا يُعرف أي ليلة كانت وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم). قال: (لم يقم دليل معلوم على شهرها، ولا على عشرها— أي في العشرة أيام التي وقعت فيها—، ولا على عينها، بل النقول في ذلك متقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص تلك الليلة بقيام ولا غيره) (زاد المعاد (57/1،58) ط. الرسالة). على أن ليلة السابع والعشرين من رجب وإن اشتهر بين الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج لم يصح دليل على أنها هي والله أعلم.
واصدر المفتي د. عبدالله الفقيه بهذا الشأن فتوى، جاء فيها:" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن الصيام ما هو واجب كصيام شهر رمضان، ومنه ما هو دون ذلك كصيام يومي تاسوعاء، وعاشوراء، ويوم عرفة، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه المواطن، كما أرشد إلى صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ويومي الاثنين والخميس. والصيام في هذه الأوقات من سنة النبي صلى الله عليه وسلم. لكن يوم الإسراء والمعراج لا يجب ولا يستحب، ولا يسن صيامه، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صامه أو أمر بصيامه، ولو كان صومه مندوباً أو مسنوناً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، كما بين فضل الصيام في يوم عرفة، وعاشوراء.. الخ.
وعلى هذا فلا يصح أن يقال بصيام هذا اليوم، بل إنه يوم مختلف في تعيينه على أقوال كثيرة قال عنها الحافظ ابن حجر في الفتح بأنها تزيد على عشرة أقوال. فتح الباري (7/254) باب المعراج: كتاب مناقب الأنصار. وهذا الاختلاف دليل على أن هذا اليوم ليس له فضيلة خاصة بصيام، ولا تخص ليلته بقيام، ولو كان خيراً لسبقنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وبناءً على هذا فإن صوم يوم الإسراء والمعراج (27 من رجب) على أحد الأقوال بدعة محدثة لا يصح التمسك بها، لكن إن وافق هذا اليوم سنة أخرى في الصيام كيوم الاثنين، أو الخميس أو وافق عادة امرئ في الصيام، كمن يصوم يوماً ويفطر يوماً فعندئذ يجوز صيامه لكونه يوم الاثنين أو الخميس أو اليوم الذي يصومه - مثلا- لا لكونه يوم الإسراء والمعراج. وعلى المسلم أن يتحرى السنن و يبتعد عن البدع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم، ومعنى (رد) أي: مردود على صاحبه غير مقبول منه.
والله تعالى أعلم.
"و قل ربي زدني علما".