عندما ننظر إلى الاتجاه العلماني والإعلام الذي يخدمه في حدود مجتمعنا المسلم، وننظر من ناحية أخرى إلى الإعلام الإسلامي الهادف الذي يعمل بإخلاص وحماس لخدمة الأمة الإسلامية من خلال قضاياها المتعددة، سنجد أن النتيجة مذهلة من حيث الكم والكيف، والدعم بوجوهه المتعددة، فالإعلام الإسلامي الحقيقي وهو على كثرته يعتبر قليلاً وضعيفاً مقارنة بالاتجاه العلماني، وسنجد البون شاسعاً أيضاً بين الاتجاهين من نواحٍ كثيرةٍ مهمة قد يكون من أهمها الدعم المادي الذي يعتبر الركيزة الأساسية لنجاح أي عمل، ولن تكون المقارنة هنا بين إعلامنا الإسلامي، والإعلام الغربي برمته، لأنه لا شك بأن الكفة ستكون راحجة ولأول وهلة للإعلام الغربي، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الإعلام الذي يعد إسلامياً في ظاهره، ولكنه يحمل توجهاً علمانياً بحتاً، ويقف فكره على النقيض تماماً من كل شيء إسلامي، فإعلامنا الإسلامي يجد المنافسة خطيرة وصعبة من إعلام يعايشه في نفس المجتمع، ويعمل به أفراد المجتمع أنفسهم، دون أن يكون له سمة ظاهرة تبين خطورته على الدين والمجتمع.
فالإعلام أياًً كان توجهه، له دور كبير في توجيه الرأي العام نحو وجهة معينة يهدف إليها القائمون على هذا الإعلام، كما أنه يلعب دوراً كبيراً في تحديد سلوكيات الأفراد خاصة عندما نرى التأثير القوي للقنوات الفضائية على أفراد المجتمع على اختلاف فئاتهم العمرية ومستوى ثقافتهم، ولو قلنا بضرورة استغلال إعلامنا الإسلامي لهذا التأثير لتذكرنا على الفور محدودية العدد من الصحف والمجلات والقنوات ومواقع الإنترنت، وكثرة العدد وقوة الإمكانيات التي تخدم التوجه العلماني المعاكس.
وفي الفترة الأخيرة أصبحت هناك خطوة من الإعلام العلماني الكثيف لمحو الحد الفاصل بين إعلامهم المشبوه وبين الإعلام الذي يقف خلفه الغيورين من أبناء الأمة الإسلامية، في خطوة للتغرير بالنشء، ومحو الفواصل، وإعطاء تزكية ظاهرية لإعلامهم، فلو أمعنا التفكير في سياسة بعض المنابر الإعلامية العلمانية الجديدة وتوجهها نحو استقطاب بعض علمائنا ودعاتنا ومفكرينا في أسلوب جديد لإقناع كافة الفئات بشموليتها، وسلامة منطقها، لوجدنا خطوتهم تصب في مصلحتهم وخدمة إعلامهم أولاً وآخراً، وقد يكون في خطواتهم الأخيرة أسلوباً جديداً لمحو الأفكار التي نشأت حول إعلامهم وأفكارهم ومبادئهم التي يسيرون وفقها، ولا ننتقد التواجد هناك من قبل علمائنا ومفكرينا بقدر ما ننادي بضرورة التفريق بين الإعلام الإسلامي المتكامل الذي يهدف إلى خدمة الدين والمجتمع الإسلامي فقط، والإعلام المناقض الذي يحمل فكراً غريباً ولكنه ينتهج أسلوب الإقناع من خلال بعض البرامج الدينية التي يُستضاف فيها شخصيات قريبة إلى قلوب كثير من الناس.
وفي السنوات الأخيرة نجد أن الصحوة الإسلامية المباركة قد خطت خطوات كبيرة تحتاج من خلالها إلى إعلام إسلامي قوي يأخذ بيدها، ويعمل على نشر أهدافها ومبادئها المنبثقة من تعاليم ديننا الحنيف بشكل واسع وكبير دون الحاجة إلى إعلامٍ علماني لإخراج ما لديها إلى النور، فالفكر الذي تحمله ليس غريباً لأن مصدرة كتاب الله عز وجل، وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ولكن الحاجة تكمن في عدم توفر العلم بهما لدى الجميع وفي كل مكان، كما أن المسلمين أنفسهم بحاجة إلى تعليم وتبصير بأمور دينهم، والحاجة قائمة أيضاً إلى ما يقف سداً منيعاً في وجه كل فكر مشبوه سواء كان من خارج الأقطار المسلمة أو من داخلها، ويفترض أيضاً أن يتلقى المسلم أخبار أخوته في شتى بقاع العالم من مصادر إسلامية بحتة بدلاً من أن يستقيها من مصادر أساسها معادٍ للإسلام والمسلمين، وللارتقاء بالإعلام الإسلامي لا بد من دعائم وأساسيات يرتكز عليها، وقد تتمثل فيما يأتي:
ـ تضافر الجهود لإقامة منابر قوية لإعلام إسلامي متنوع يعمل على احتواء المجتمعات المسلمة بأفرادها على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم.
ـ العمل على إقامة هذا الإعلام بمشاركة الجموع ودعمها المعنوي والمادي عن طريق المشاركة الفعَالة بالعمل أو المتابعة.
ـ الدعاية لذلك وبيان أن دعم مثل هذه المشاريع إنما هو دعم لأمتنا المسلمة وقضاياها المتعددة.
ـ جذب المثقفين والمفكرين بكافة تخصصاتهم ما دامت تصب في خدمة الدين الإسلامي والمجتمع المسلم.
ـ كسب الكفاءات الجديدة، وتشجيعها مادياً ومعنوياً، وعدم تركها لقمة سائغة في أفواه بني علمان.
ـ التنوع في الطرح لإقناع المتابع بمنافسة الإعلام الإسلامي لغيرة في حدود الشرع المطهر.
ـ النهوض بالعمل الإعلامي كاملاً، وجعله قاعدة أساسية للرقي بعقلية المتلقي من أبناء الأمة الإسلامية، وإمداده بخلفية ثقافية كبيرة تركز على تزويده بالعلوم الشرعية، وإعطائه معلومات واسعة عن تاريخه الإسلامي.
ـ تلبية الدعوة للعمل في أي منبر إعلامي إسلامي وعدم الخلط بين المفاهيم أو التحرز من الرياء بشكل عشوائي، والتفكير للحظة واحدة فقط في أهل الفن والرياضة الذين يمثلون مادة دسمة للإعلام العلماني الذي يلهثون خلفه ليل نهار رغبة منهم في إبراز أنشطتهم وأعمالهم التي تعتبر سبب فساد لأفراد المجتمع المسلم، فالأولى أن الطاقات المسلمة تعمل أيضاً مساهمة بذلك على إرشاد الناس لعمل ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
مواكبة الأحداث ومسايرتها، فأفراد المجتمع المسلم يعيشون مع غيرهم على كوكب واحد ويحتاجون إلى معرفة الحدث بتفصيلاته الدقيقة أولاً بأول، فإذا ما توفر لهم ذلك من خلال إعلامهم فلن يكونوا بحاجة إلى البحث عن غيره.
ـ مسايرة العصر وتطوراته، والحرص على البرامج والمعلومات التي تُعنى بالتقنية في كل مراحلها المتقدمة، ودعوة ذوي التخصصات وطلب مشاركتهم، وعرض إنجازاتهم في الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت، والقنوات الفضائية.
ـ إخراج الحقائق للناس وعدم المداهنة في ذلك، فالإعلام أساسه الصدق لكسب ثقة المتابعين له.
ـ الجرأة في عرض القضايا الاجتماعية، وإخراجها أمام الناس بصورة صحيحة، وطرحها بشكل يساعد على حلها، ولن نقول بأن لنا في الإعلام الغربي مثل، ولكننا نتذكر تعرية الحقائق لديهم خاصة فيما يخص القضايا الاجتماعية، وإخفاء كثير منها لدينا بحجة عدم نشر الفضائح على الملأ، مع أن للنشر في كثير من الأحيان فوائد لتجنب السلبيات فيما بعد.
ـ عند القيام بتحقيقات أو بحوث حول ظاهرة معينة لا بد من الاعتماد على الاستبانات الموسعة التي تشمل عدة شرائح من مناطق مختلفة، وعدم الاعتماد عليها في مدينة واحدة أو حتى دولة واحدة لتمثل رأي المجتمع المسلم بشكل صحيح.
ـ الحرص بشكل كبير على نقل صورة حقيقية للعمل الإسلامي ككل، بحيث تتضح الايجابيات للاستمرار عليها وتشجيعها، والسلبيات لتفاديها مستقبلاً.
ـ تدريب الطاقات للعمل بشكل أفضل، وتوجيهها الوجهة الصحيحة التي تناسب قدراتها، وعدم الاعتماد على التخصص المجرد الذي قد لا يحمل صاحبه القدرة الحقيقية على العمل.
ـ إقامة الدورات التي تخدم الإعلام الإسلامي وفق منظور إسلامي بحت، وعدم الاعتماد على المفاهيم الغربية التي تزخر بها المكتبات من خلال الكتب المترجمة التي تحمل أساليب وطرق قد لا تتوافق في كثير منها مع متطلبات العمل الإعلامي الإسلامي.
ـ العناية بشكل أكبر بالقضايا التي يستغلها الإعلام المعاكس من علماني وغربي وفق أحداث وظروف معينة، كقضية تحرير المرأة التي قد يدافع عنها من ينتسب إلى الإسلام بحجج واهية، وليكن للأقلام النسائية مكان في الساحة لمناقشة هذه القضية بالذات، لبيان وجهة نظر المرأة المسلمة فيما يُقال عنها ويُراد بها.
ـ تشجيع التواجد النسائي في المجال الإعلامي بشكل مناسب يحفظ للمرأة عزتها وكرامتها، ويتوافق مع تعاليم ديننا الإسلامي، وذلك بالمساهمة الكتابية الفعّالة، والعمل الصحفي الذي يتيح لها النقل الصحيح عن الأنشطة النسائية، والبحث في كثير من المشاكل التي تعترض عموم النساء في بيوتهن أو في مجالات العمل الذي يشغلنه خارج بيوتهن، وتبصيرهن بالتحديات التي تحيط بهن وتريد النيل منهن سواءً كانت من داخل الدول الإسلامية أو من خارجها.