نحن في زمن السرعة، السرعة في كل شيء في الفكر والسير، حتى في اتخاذ القرارات، في البحث عن المستقبل وتجاوز اللحظة والحاضر، والحديث هنا ليس عن السرعة في قيادة السيارات فقط، لأن السرعة أصبحت الشيء المحسوس في حياتنا، لذلك كلنا نشكو من السرعة، مما جعلنا نبحث عن لحظة هدوء وتأمل، ولكن هل العالم أو كل من حولنا يقف معنا. هل توقفنا يجعل من حولنا يتوقف مثلنا؟
هذه القضية ليست جديدة بالنسبة للعالم لأن هناك من رصدها بعد أن لاحظ أثرها في نمط حياة الإنسان، وهذه الملاحظات كانت من قبل المفكرين وعلماء النفس والإجتماع، بل كل المجالات لما تضمنته من هدم لجوانب مشرقة بالنسبة للإنسان وما ترتب عليها من تغير في نمط سلوكه وفكره، لدرجة أنها أصبحت تشكل تحديا واضحا وسافرا له، مثلا كتب الروائي التشيكي (ميلان كونديرا) رواية سماهات البطء، يدعو من خلالها للتوقف والتخفيف من السرعة القاتلة في حياتنا، حتى الوجبات الغذائية أصبحت وجبات سريعة وكأن الإنسان في صراع مع السرعة في انتظارها والتهامها، مما جعل بعضهم ينادي بأن تخفف حتى من سرعة هذه الوجبات، وكان التساؤل هنا هل الوجبات جاءت متسقة مع طبيعة السرعة، أم أنها فرضت علينا السرعة.
من أكثر من نادوا بهذه الفلسفة الجديدة، وأعني فلسفة التخفيف من سرعة إيقاع الحياة الأمريكي (إدوارد هال) من خلال كتابه (رقصة الحياة) الصادر في عام 1983، حيث طلب من الناس أن يقللوا من ساعات العمل، وأن يغيروا من نمط معيشتهم، فالحياة أجمل وأروع مما نقوم به من قتل للزمن عن طريق سلاح السرعة.
ولكن لماذا الحرب مع السرعة؟ وما أثر ذلك في سلوكنا؟ المسألة تتعلق بحساب الزمن. فالسرعة تجعل الإنسان أحيانا يضع زمنا خاصا به، وبذلك كأنه يختصر كل المسافات والزمن، ويصبح دائما في حالة جري مستمرة نحو كل شيء، وأي شيء يعوقه عن تحقيق هدفه يصبح شيئا مريعا بالنسبة له، وبذلك تكون بعض القرارات التي يتخذها غير واقعية وغير مدروسة بسببها، الشيء الآخر حالة القلق والتوتر التي تصاحبه خلال مراحل عمره تجعله عرضة لكثير من الأمراض السيكوماتية وغيرها، لأن الإنسان ومع هذا النمط من الحياة أو السلوك ينسى نفسه وفجأة قد يكتشف أنه أفنى عمره في صراع عبثي مع الزمن وكل هذا على حسابه هو.
إذن لنخفف من السرعة في كل شيء حتى لا نخسر كل شيء.