الضمير هو السلطة الداخلية التي تحركنا وتوجه تصرفاتنا نحو الوجهة السليمة، وهذه السلطة تنشأ من خلال مجموع القيم والمبادئ التي يتعلمها الطفل أثناء عملية التنشئة الاجتماعية التي تقوم على الأوامر والنواهي التي تحث على الفعل أو عدم الفعل ؛ افعل كل ما هو صواب ؛ ولا تفعل كل ما هو خطأ . وليس من الغريب أن يكون هناك تفاوت في ضمائر البشر ، وهذا التفاوت يعكس التباين الكبير في أساليب التربية الوالدية فيما يتعلق بمقدار التأكيد على أهمية القيم والمبادئ النبيلة في الحياة الإنسانية . إن التدعيم الايجابي للسلوك المرغوب يؤدي إلى استمرار هذا السلوك ، وبنفس المنطق ؛ فإن عقاب السلوك المخالف يؤدي إلى إيقافه وردعه ؛ ومن ثم ، فإن عملية الثواب والعقاب تعمل على تقوية كل ما هو مثالي وقيمي ، وإضعاف كل ما يتصف بالتدهور والانحطاط الأخلاقي .
إن الإنسان في مراحل حياته المبكرة يكون مدفوعاً بدافع اللذة ، فهو يريد الإشباع الفوري العاجل لكل رغباته ، ومن ثم فإن هذا الدافع يجعله يقترف بعض السلوكيات المخالفة لمعايير المجتمع ، ولا تمت بصلة لما تلزمنا به شريعتنا الإسلامية ، ومن هذا المنطلق ، فقد تمتد يده إلى ما ليس له ، وقد يعتدي على الآخرين ، أو يتخذ من الكذب وسيله للتغلب على بعض المشكلات التي قد يتعرض لها ، أو يتعلم إعطاء الأوامر والنواهي ، ويكون منقاد خلف رغباته يطلب الإشباع العاجل.
ومن هنا جاءت أهمية التربية والتنشئة الاجتماعية التي يتعلم خلالها الطفل التوفيق بين ما يريد وبين ماهو مطابق لمعايير الحق والفضيلة والصواب . والهدف من التنشئة الاجتماعية والنفسية والدينية السليمة ، هو تعليم الإنسان الانصياع لقيم المجتمع ، والوصول إلى المثالية في السلوك ، والابتعاد عن كل مظاهر الانحراف والجريمة .
من خلال افعل ولا تفعل ، ومن خلال هذا صواب وهذا خطأ يتكون الضمير الإنساني ، ذلك الضمير الذي يمثل الصوت الداخلي للحق ، والمُوجه والمُحرك الجوهري للإنسان في رحلته خلال هذه الحياة . افعل الصواب سيكتب لك الله سبحانه وتعالى الجنة ، ولا تفعل الخطأ ستكن في مأمن من عذاب النار؛ هذا هو الضمير الذي يسعى كل أب و أُم إلى تنميته وتقويته لدى الأبناء ، انه يشبه الدفة التي تحرك القارب في الاتجاه الصحيح .
إن الإنسان الذي يخلو من الضمير ، هو ذلك الشخص الذي تحركه رغباته ونزواته وغرائزه نحو الإشباع العاجل ، نحو السرقة ، ونحو الكذب ، ونحو أي شيء يمكن وصفه باللأخلاقية ، فقد ينشر الفتنة والفساد بين البشر ، وقد يزني ويرتكب المعاصي ما كبر منها وما صغر ، فهو لا يحمل الضمير الذي يضبط سلوكياته ، ليس لديه الصوت الداخلي الذي يقول له لا ، ممنوع الاقتراب ، لا تفعل فهذا خطأ .
إن الضمير الذي نرغب فيه هو الذي يعلمنا التمييز بين الصواب والخطأ القائم على الاقتناع المنطقي ، فنحن لا نريد أن نحمل ضميراً هشاً مليئاً بالثقوب ، ضميرا مخلخلا ضعيفاً يمكن هزيمته عند مواجهة مغريات الحياة التي لا تميز بين ما هو أخلاقي أو غير أخلاقي ؛ نريد الضمير الذي لا ينحني أمام الرشوة ، ويغمض عينيه أمام السرقة والاختلاس ، بل إننا علينا أن نوُجد في أنفسنا الضمير الحي ، اليقظ ، الذي يقف شامخاً في مواجهة الفساد ومظاهر الانحراف المختلفة .
هل حاولت في لحظة من لحظات التفكير الفلسفي المتعمق أن توجد الفارق بين الإنسان الصالح والإنسان الشرير؟ عندما نحاول أن نتوصل إلى الفارق بينهما تذهب أذهاننا دائماً إلى أن الأول يمتلك ما يسميه المحللين النفسيين بالأنا الأعلى ، أو ما يسمى بالضمير ، والضمير يقصد به في الدين الإسلامي النفس اللوامة التي تلوم صاحبها عندما يُقبل على اقتراف المعصية ، وهذا الضمير كلما كان يقظاً بالشكل الكافي كلما كان صوته مسموعاً وعالياً بمجرد أن يفكر الشخص في الإقبال على فعل المعاصي والأخطاء السلوكية التي تخالف المعايير والقيم الدينية التي أقرتها كل الأديان . أما الإنسان الشرير يمثل في واقع الأمر نبتة سوء ، نمت في أرض غير صالحة ، وتشربت جذورها وسيقانها وأغصانها وأوراقها بماء غير طاهر مليء بالشوائب. هذا هو حال الإنسان الذي يخلو من الضمير ، لا خير فيه ، تتعمق جذوره في أرض شيطانية ، وترفرف أغصانه وتمتد أوراقه لتصيب الآخرين بالشر والأذى .
وهذا نداء إلى كل إنسان ... لديه ضمير ينبض بالإيمان ... أن أملأ قلبك بالحب والخير والأمان ... وابتعد عن معصية الرحمن ... سيجعلك في مأمن من وساوس الشيطان ... ويقيك من الحسد والحقد والغيرة والافتتان ... فيكون مثواك جنة عدن بإذن الحنان المنان.
ولكي تتمكن من تعميق الضمير في داخلك ، وتجعله ينبض بالحياة دائماً عليك أن تراعي هذه النقاط بشكل دائم في حياتك.
أن تجعل مراقبة الله سبحانه وتعالى نصب عينيك دائماً ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
لا تنقاد خلف رغباتك دون فلترتها والتحقق من مدى مطابقتها لمعايير الصواب.
عليك بمحاسبة الذات أولاً بأول من أجل عقاب النفس وتهذيبها .
اعلم إنك عندما تفعل شيئاً أخلاقياً فإنك تفعله على الملأ دون خوف أو قلق من أن يُفضح أمرك ، ويكتشف الناس سوء فعلك .
اعلم أن الإنسان عندما يفعل شيئا خطأ ، فإنه يفعله في الخفاء بعيداً عن أعين الناس.
لا تخلط بين الحق والباطل ، فهما ضدان .
لا تجعل قلة الرزق دافعا لمخالفة ما يمليه عليك ضميرك ، فالصبر على الفقر أهون من نار جهنم.
تذكر أنه لا مجال لتبديل القيم ، فالحق أحق أن يُتبع .
لا تجعل ضميرك هشاً أو مثقباً حتى تمر بعض الأشياء من هذه الثقوب ، ويتم التغاضي عن بعض الأمور.
اجعل ضميرك دائماً هو الموجه لكل أفكارك وتصرفاتك وحركاتك وسكناتك .
يجب عليك أن تتسلح بكل القيم والمبادئ والأخلاق النبيلة حتى تكون قادراً على مواجهة الفساد الذي يلاحقك في كل مكان .
لا ترفع بعض الشعارات المزيفة التي تدعو إلى المرونة ( تقبل الرشوة ، التغاضي عن بعض الأمور ، وغض الطرف عن بعض الأشياء ) ، أو الشطارة ( الاستغلال والنصب والاحتيال على الغير ) ، أو الفهلوة ( تحقيق الأهداف بدون تعب من خلال التسلق والصعود على أكتاف الآخرين ) ، فهذه الشعارات هي الوجه الآخر للباطل ، فالباطل له وجوه عديدة.