الأمية لدى شعوب الدول النامية ليست هي ذاتها لدى الغرب، كما أن شعب اليابان ينظر للأمية بمنظار مختلف.
فالأمية تعني الجهل بالقراءة والكتابة، ومحو الأمية يعني إزالة هذا الجهل عن عقل الإنسان.
أما لدى الغرب، فالأمية اليوم هي الأمية الوظيفية، حيث تعاني أعداد هائلة من الموظفين من مشكلة العجز عن تلبية متطلبات سوق العمل والذي يشترط أداء مهنياً عاليا، وسرعة متناهية في مواكبة الطفرة التكنولوجية الهائلة.
أما اليابانيون فالأمية لديهم تعني العجز عن استخدام الحاسوب، وقد تخلصوا من وطأة هذا العبء الإجتماعي منذ زمن، ولم يعد هناك طفل ياباني أو طفلة يابانية ناهيك عن الشباب والراشدين يعاني من الجهل باستخدام الحاسوب!!
إذ عدنا لعالمنا العربي، واستنطقنا الأرقام لترشدنا إلى حقيقة الجهود المبذولة في إطار القضاء على الجهل، وإحلال المعرفة فسوف نجد أن هناك نمواً ملحوضاً في هذا المجال ولكنه دون مستوى الطموح والآمال!! فقد انخفضت نسبة الأمية من 60% في عام 1980 إلى حوالي 43% في منتصف التسعينيات. كما تضاعف معدل تعليم المرأة ثلاث مرات منذ عام 1970م. وعلى الرغم من كل هذا النمو فمازال هناك 65 مليون عربي بالغ أميا، ثلثاهم من النساء، وليس متوقعا أن تحل هذه المعضلة قبل ربع قرن على الأقل.
كما يوجد على امتداد الخارطة الجغرافية للوطن العربي عشرة ملايين طفل بين سن 6و 15 سنة خارج النظام التعليمي.
ولعل من أبرز التحديات التي تواجه مستقبل التنمية البشرية في مجال التعليم هو هذا التعثر الملحوظ في مجال الإلتحاق بالتعليم العالي الذي يُعد مرتكز وحجر زاوية مستقبل أي كيان سياسي يريد أن يملأ فضاء الكرة الأرضية، ويستحوذ على مكان بارز فيها بين شعوب العالم المتمدن.
نسبة التعليم العالي لدينا محدودة ولا تتجاوز 13%، وهي نسبة ما زالت أدنى بكثير من النسب السائدة في الدول الصناعية التي تصل إلى 60%.
كما أن الصعوبة بمكان أن تظل الخدمة التعليمية المتميزة حكراً على الموسرين الذين يملكون نفقات التعليم العالي، بينما يحرم الفقراء، ومتوسطو الدخل من مواكبة المطالب المادية، التي تقف عائقاً في طريق إكمال أبنائهم لدراساتهم العليا.
من الإتجاهات المقترحة لتعديل البنية التحتية للمعرفة العامة لدى جمهور الشعب العربي، هو أن تطال مدة التعليم الإلزامي السنوات العشر الأولى على الأقل بدلا من السنوات الست المعروفة على نطاق الدول العربية.
ولو التفتنا لحظة من الزمن إلى هذا المارد الكبير الذي يسمونه العولمة، وركزنا قليلاً على مسألة جوهرية مفادها أن البقاء للأقوى، وأن الجولة التالية ستكون من نصيب الذين ينظمون أنفسهم، ويحسنون ترتيب أوراقهم، وقبلها يحسنون إدارة أولياتهم ويتجاوبون معها، فسوف يظهر لدينا أن عقارب الساعة هي بدورها تتحدانا، وتحرضنا على الحركة الفاعلية.
ثمة ومضة مشرقة علينا أن نضيئها في سمائنا، تتمثل في مليون عربي مهاجر إلى العالم المتمدن لديهم خبرات علمية ينبغي أن توضع في الحسبان، ويتم تجسير العلاقة بينهم وبين وطنهم الأم، من أجل استثمار جزء جهودهم المتميزة في رفد الحركة العلمية لدينا.
فهل ثمة أمل في طرق هذا الباب، أم أنه موصد كغيره من الأبواب؟!