قال شيخ الإسلام رحمه الله : "وقد أوعبت الأمة في كل فن من فنون العلم إيعاباً، فمننور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلاحيرة وضلالا "
إنما يعيش المرء بأصغريه قلبه ولسانه .
أول من قال هذا المثل هو أكثم بن صيفي ، جمع بنيه ، وأوصاهم بهذه الوصايا :
" كفوا ألسنتكم ، فإن مقتلَ الرجل ِ بين فكيهِ ، وأن قولَ الحق لم يدعْ لي صديقاً ، الصدق منجاة ، لاينفع التوقي مما هو واقع ، في طلب المعالي يكون العناءُ ، ويلٌ لعَالِم أمْر ٍ من جاهله ِ ، يتشابه الأمرُ الذي أقبل ، وإذا ادبر عرفــهُ الكيس "1" ، والحمق ، والبطِرُ عند الرخاء حمق ، والعجز عند البلاء أمنٌ ، لا تغضبوا من اليسير فإنه يجني اكثير " .
أكثم بن صيفي من الحكماء أمثال : لبيد بن ربيعة ، وهرم بن قطبة ، وعامر بن الظرب وغيرهم ، وأراد أكثم أن يوصي أبناءه بوصايا تجنبهم أن يقعوا في المحظور الذي قد يكلفهم حياتهم .
يدعو أكثم إلى الحديث السديد ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلاً ، وإذا شعر أنه لا يستطيع فعليه بالسكوت "3" ، ويقولون في ذلك : إذا كان الكلام من فضه ، فالسكوت من ذهب ، وحين يجد صاحب العلم جاهلاً يحاوره ويعانده فعليه بالإعرض عنه ، لأن في ترك الجواب جواباً ، وإذا أحس الإنسان بأن أصابته في القول غير موفقة فعليه بالسكوت ، لأن السكوت عن قول اخطأ صواب "4" ولا يكفي السكوت فقط ، بل عليه سؤال أهل العلم الموثوق بعلمهم فإنما دواء العئ السؤال .
وهذه لطيفة من تاريخ ابي بكر البغدادي في ترجمة الفراء:
أخبرنا الأزهري أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا أحمد بن أحمد بن سعيد حدثنا بنان بن يعقوب الزقومي أخو حمدان الكندي قال: سمعت عبد الله بن الوليد صعودا يقول: كان محمد بن الحسن الفقيه ابن خالة الفراء وكان الفراء يوماً عنده جالساً فقال الفراء: قل رجل أمعن النظر في باب من العلم فأراد غيره إلا سهل عليه فقال له محمد: يا أبا زكريا فأنت الآن قد أنعمت النظر في العربية فنسألك على باب من الفقه؟ قال: هات على بركة الله تعالى قال: ما تقول في رجل صلى فسهى فسجد سجدتي السهو فسهى فيهما؟ ففكر الفراء ساعة ثم قال: لا شيء عليه قال له محمد: ولم؟ قال: لأن التصغير عندنا لا تصغير له وإنما السجدتان إتمام الصلاة فليس للتمام تمام فقال محمد بن الحسن: ما ظننت آدمياً يلد مثلك.