لمعاني البلاغية للأمر
أمَّا المعاني البلاغية الأخرى التي يخرج الأمر، فإنها تُستفاد من السياق وقرائن الأحوال
ففي قول أحمد شوقي :
رُبَّ عامٍ أَنت فيه واجد....ٌفادَّخرْ فيه لعامٍ لا تجِدْ
علمِ الآباءَ، واهتف قائلاً….: أيها الشعبُ، تعاونْ واقتصد
لم يكن الأمر على وجه الإلزام وإنما من باب (النصح والإرشاد) للاقتصاد في العيش، وإرشاد الناس إلى التعاون في هذا المجال.
وفي قوله تعالى مخاطبًا الصائمين: " وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ"
كان الأمر من باب (إباحة) الأكل والشرب ليلة الصيام، بلا وجه إلزام
ونجد أنَّ الأمر في قول المتنبي مخاطبا سيف الدولة:
أزلْ حسَدَ الحُسَّاد عنِّي بكبتهم ... فأنت الذي صيَّرتهم لي حُسَّدا
قد خرج ( للدعاء) لأنه صادر ممن هو أقل منزلة (الشاعر) إلى من هو أعلى منزلة الأمير
وقد خرج الأمر( للالتماس ) في قول امريء القيس لخليليه:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
لأنه طلب من خليليه الوقوف للبكاء على أطلال محبوبته، والطلب جاء هنا من الشاعر إلى من هم في منزلته.
إلا أنَّ الأمر في قول الشاعر نفسه:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل.... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
قد خرج إلى (التمني) ؛ لأن الشاعر يطلب ما لا يُرجى حدوثه، فالليل غير عاقل ليلبيّ طلب الشاعر.
ومن المعاني التي يخرج إليها الأمر، لننظر في قوله تعالى:
" اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ"
فالله عز وجل يخبر المعذبين في نار جهنم، أن صبرهم على النار، أو عدم صبرهم سواء، لن يغير من الأمر شيئا، وبذلك يكون الأمر قد خرج لمعنى (التسوية) .
إلا أن الأمر قد خرج (للتخيير) في قول بشار بن برد مخاطبا مَنْ لا يحتمل الزلة من الصديق:
فعشْ واحدًا أو صلء أخاكَ فإنه.... مقارف ذنب مرةً ومجانبه
فهو يخيره بين أن يبقى وحيدا خاليا من الأصدقاء أو أن يصادق الآخرين واضعا نُصْبَ عينيه احتمالية وقوع الزلل من الأصدقاء بين الحين والآخر
ولو تأملنا معًا قوله تعالى في خطابه للمشركين:
" هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ"
فالله عز وجل يريد أن يبينلهم عجزهم عن الإتيان بخلق غير الله؛ لأن كل ما في الكون من خلق الله، فالأمر خرج هنا لمعنى (التعجيز)
إلا أنَّ الأمر الذي خرج (للتهديد) يظهر جليا في قول النبي (صلى الله عليه وسلم):
" إنَّ ما أدركَ الناس من كلام النبوة، إذا لم تستح فاصنع ما شئت"
لأن الإنسان لا يحق له فعل ما يشاء، فهناك ضوابط دينية وخلقية تمنعه من ذلك، لكن عبارة الرسول عليه السلام توحي بالتهديد بالعقاب على أعماله التي تخلو من خلق الحياء.
ويبدو (التحقير) واضحا في الأمر الوارد في قول الشاعر:
فدعِ الوعيدَ فما وعيدكَ ضائري.... أطنينُ أجنحةِ الذُّبابِ يُضيرُ
فالشاعر لا يكترث لوعيد المخاطب كما لا يكترث للطنين الصادر من أجنحة الذباب.
نتبين مما سبق أن الأمر يخرج إلى معانٍ بلاغية هي :
النُّصح والإرشاد، الإباحة، الدُّعاء، الالتماس، التمني، التسوية، التخيير، التعجيز، التهديد، التحقير