التشريع الجنائي في الإسلام و منهجه في حفظ الحقوق
الوحدة الحقوقية
I - السياق التربوي والحقوقي للتشريع الجنائي في الإسلام
1- موقع التشريع الجنائي في منظومة الحقوق في الإسلام
ا- مفهوم التشريع الجنائي
التشريع الجنائي: هو مجموع الأحكام الشرعية المحددة للعقوبات المفروضة على من اعتدى على إحدى الضروريات الخمس، أو حق من الحقوق فالحق بها ضررا خفيفا أو شديدا .
ب- مفهوم الجناية وأقسامها.
أ- الجناية: هي كل فعل مضر جرمته الشرعية من قول أو عمل ،يحدثه للإنسان ضد نفسه أو غيره على إحدى الضروريات.
والعقوبة: هي الجزاء الذي يستحقه الجاني نظير ما وقع منه من معصية .....
ب-أقسامها:تنقسم إلى حدود وتعاز ير وقصاص وديات.
فالحدود : جمع حد وهي عقوبة مقدرة شرعا على ذنب سواء كانت حق للعبد أو لله .
والتعازير: وهي تأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة .
والديات : وهي اسم للمال الذي يدفع لأهل القتيل عوضا عن دم وليهم وتطييبا لخاطرهم من قبل من يجب عليه ذلك .
2- السياق التربوي للتشريع الجنائي في الإسلام
ا- العقيدة أساس التشريع الجنائي.
- ليس بالحدود وحدها تقام الشريعة ، وبناء الشريعة طبقات ....ولا يقوم بناء الإسلام إلا بإقامة هذه الطوابق وهدم جزء منه هدم للجميع . فالتشريع الجنائي الإسلامي مرتبط بغيره من مكونات الدين ويحتل الرتبة الأخيرة بينها ........
- لن يفلح أي تشريع جنائي لوحده في الحد من نسب الجريمة في غياب الوعي والحصانة التربوية والعقدية، فوازع الدين والتقوى وخوف الله .......من أقوى ما يصرف الناس عن ارتكاب الجرائم .
ب- العبادات دعامة التشريع الجنائي
- إضافة إلى العقيدة ،فالعبادات اليومية لها دور كبير في صرف المسلم عن ارتكاب الجرائم،فالعبادة في الإسلام مرتبطة بالتربية الذاتية والتزكية الروحية. كما قال تعالى : « اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) » العنكبوت.
3- السياق الحقوقي للتشريع الجنائي في الإسلام
إن أهم ما يميزه عن غيره من الأنظمة الأخرى هو: ارتباطه بسياق حقوقي، تكفله منظومة من التشريعات الوقائية التي تحقق مقاصدها ، فالإسلام حارب الفقر ....،ودعا إلى التعفف والستر...،وقدر العقل باعتباره أساس تكريم الإنسان وحارب كل ما في اعتداء عليه،......الخ. ومتى اختلت إحدى الشروط أوقف ولي الأمر تطبيق الحدود مؤقتا حتى تتحقق الظروف المواتية لأن تطبيقها في هذه الحالة يعد إخلالا بميزان العدالة.....كما ورد ذلك في حالات عديدة على عهد النبي e وخلفائه بعده. عن عباد بن شرحبيل t إنه سمع رجلا من بني غبر قال: أصابنا عام مخمصة.......الحديث» ص 108
II - وظيفة التشريع الجنائي الإسلامي في حماية الحقوق.
ا- حماية الأنفس والأمن الاجتماعي: ومن أجل ذلك شرع الإسلام عقوبات زجرية قاسية جزاء وفاقا للجرائم المرتكبة ، فالاعتداء على النفس شرع له القصاص أو الدية في حالة تنازل صاحب الدم عن حقه....وشرع حد الحرابة جزاء على جريمة الفساد في الأرض والبغي وتهديد أمن المجتمع واستقراره قال تعالى :« وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفُِ......المائدة ».وقال تعالى : «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فسادا.....
ب- حماية الأعراض والنظام الاجتماعي: والتي يكون الاعتداء عليها بهتك أعراض الناس والطعن في أنسابهم واتهامهم دون بينة، ويكون بالزنا أو بالقذف ومن شأن ذلك إشاعة الفاحشة في المجتمع ...، مما يفضي إلى اهتزاز القيم الأخلاقية وانفصام العلاقات الزوجية والأسرية.ومن هنا شرعت العقوبات الزاجرة والمانعة من انتشار هذه الجرائم وهي حد الزنا وحد القذف.قال تعالى:«الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ......» سورة النور الآيات 2 3 4 5.
ج- حماية الأموال وحق التملك: بعد توفير الإسلام مناخ التكافل والتراحم وتهييئه أسباب الوفرة و.......... وقد سن الشارع العقوبات الزاجرة المانعة من الاعتداء على ممتلكات الغير وحقوقهم بدون وجه حق، وضمانا لشيوع الأمن والاستقرار قال تعالى: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » سورة المائدة الآية 38.
III - خصائص التشريع الجنائي في الإسلام
الإسلام يوفر لأفراد المجتمع من الحقوق ما يكفيهم بحيث يصبح ارتكاب الجريمة في حد ذاته هو الوحشية.والإسلام لا يقضي بهذه العقوبات الرادعة إلا في حالة التأكد المطلق الذي لا شبهة فيه عن طريق وسائل الإثبات المتفق عليها ، ( الاعتراف، والشهادة بشروطها، واليمين، والقرائن المصاحبة )، وعلى الرغم من أن العقوبات الإسلامية قد تبدو في بعض الحالات عنيفة وقاسية إلا أنها لا تطبق بتسرع، أو لمجرد الشبهة وإنما هي محكومة بعدد من الإجراءات الدقيقة التي ينبغي توافرها، قبل إدانة المجرم، مما يجعل تحقيقها قليلاً، إن لم يكن نادراً. ويمكن القول بأنها وضعت للردع والتحذير وتخويف المسلم من أن هناك جرائم لا يرضى عنها اللَّه تعالى، الذي هو أرحم الراحمين وأعدل العادلين.
وقد كان لتحديد هذه العقوبات بهذه الصورة أثر بالغ في تكوين ضمير جماعي لدى المسلمين عبر العصور وفي كل المجتمعات تقريباً، وهذا الضمير جعلهم يمتنعون عن ارتكاب الجرائم من منطلق ديني أكثر من خوفهم من تشريع مدني. وصدق الله العظيم إذ يقول:« وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) » سورة البقرة .