الحق و العدالة
تقديم إشكالي:
إذا كان مفهوم العدالة صفة لما هو عادل بحيث يحتوي معاني متعددة كالفضيلة الأخلاقية و التصرف وفق القوانين و التشريعات ، مما يجعل العدالة ترتبط بالمؤسسات القانونية و التشريعية التي تنظم العلاقات بين الأفراد كما يرتبط بالقيم الأخلاقية، فإن مفهوم الحق متعدد الدلالات حسب المجال الذي يستخدم فيه، ففي المجال المعرفي المنطقي يفيد الحق الحقيقة و اليقين و الإستدلال السليم أما في المجال الأخلاقي فإنه يفيد العدل و المساواة و الإنصاف مما يجعل مفهوم الحق و العدالة متذاخلين و ينفتحان و يتقاطعان مع مفاهيم أخرى مما يثير مجموعة من الإشكاليات منها:
-هل يتأسس الحق على ما هو طبيعي أم على ما هو قانوني؟
-ما هي طبيعة العلاقة بين الحق و العدالة؟ أيهما يتأسس على الآخر؟
-هل يمكن وجود الحق خارج القوانين و التشريعات؟
-إذا كانت العدالة هي تحقيق للمساواة و الإنصاف فهل تستطيع أن تنصف جميع الأفراد داخل المجتمع؟
الحق الطبيعي و الحق الوضعي:
هل ترتبط العدالة بالحق الطبيعي أم بالحق الوضعي؟
نص:طوماس هوبس:
الإشكال:هل للعدالة ارتباط بالحق الطبيعي أم بالحق الوضعي؟
أطروحة النص: يؤكد طوماس هوبس أن العدالة ترتبط بالحق الوضعي و تتعارض مع الحق الطبيعي لأن الحق الطبيعي يحتكم إلى القوة و يخضع لتوجيهات الغريزة و الأهواء مما يجعله حقا يقوم على الحرية المطلقة التي تبيح للفرد القيام بكل مامن شأنه أن يحفظ حياته )العدوان ،العنف ، الظلم(أما الحق الوضعي فهو حق يحتكم إلى القوانين و التشريعات المتعاقد عليها و يخضع لتوجيهات العقل مما يجعله يحد من الحرية المطلقة لكنه يضمن حقوق الأفراد و يحقق العدل و المساواة ،و بذلك يخلص هوبس إلى أن العدالة ترتبط بالحق الوضعي القانوني أي بالحرية المقننة بالقوانين و التشريعات و تتعارض مع الحرية المطلقة التي تستند إلى القوة و الغريزة.
نص: جان جاك روسو:
الإشكال: هل يمكن تحقيق العدالة خارج القوانين أم تشترط الإرتباط بها؟
أطروحة النص: يميز جان جاك روسو بين حالة الطبيعة التي يخضع فيها الأفراد لأهوائهم و رغباتهم بحيث تطغى عليهم الأنانية و الذاتية و يحتكمون إلى قوتهم ، و بين حالة التمدن التي يمتثل فيها الأفراد لتوجيهات العقل و يحتكمون إلى القوانين و التشريعات في إطارغقد اجتماعي يساهم الفرد في تأسيسه و يلتزم باحترامه و طاعته و يمارس حريته في ظله.
إذن فالعقد الاجتماعي يجسد الإرادة العامة التي تعلو على كل الإرادات الفردية، فالإمتثال و الخضوع للعقد الإجتماعي هو خضوع للإرادة الجماعية التي تحقق العدل و المساواة و تضمن الحقوق الطبيعية للأفراد و بذلك فالإمتثال للقوانبن التي شرعها العقد لا تتعارض مع حرية الفرد مادام العقد الإجتماعي هو تجسيد لإرادة الأفراد.
فماهي طبيعة العلاقة بين الحق و العدالة و أيهما أساس الآخر؟
العدالة اساس الحق:
ماهي طبيعة العلاقة بين العدالة و الحق؟أيهما أساس الآخر؟
إشكال النص: ماهي دلالة العدالة؟ هل تقوم العدالة على أساس الحق و الفضيلة ؟
أطروحة النص: يحدد أرسطو مفهوم العدالة باعتبارها هي التصرف وفق القوانين و التشريعات و تحقيق المساواة في مقابل الظلم الذي يعتبر خرقا للقوانين و منافاة للمساواة ليؤكد أن العدالة هي حد وسط بين الإفراط و التفريط ، و قد اعتمد أرسطو أسلوبا حجاجيا وظف خلاله التقابل و التمييز و التأكيد، فهو يميز بين نوعين من العدالة : عدالة بمفهومها الأخلاقي أي الإمتثال للقوانين و تحقيق الفضيلة الأخلاقية و عدالة بمعنى المساواة و الإنصاف و تنقسم إلى عدالة توزيعية تقوم على توزيع الخبرات الإقتصادية بين الأفراد بالمساواة حسب طاقاتهم و أعمالهم ، و عدالة تعويضية تقوم على تنظيم المعاملات بين الناس على أساس القوانين و التشريعات لمنع الظلم وتصحيح السلوك الذي ينحرف عن القانون ، ليخلص بعد ذلك إلى أن غاية العدالة هي تحقيق الفضيلة باعتبار العدالة أم الفضائل.
نص: باروخ سبينوزا:
الإشكال الذي يجيب عنه النص:
ماهي الغاية من الديموقراطية و هل يمكن اعتبار العدل أساس الحق؟
أطروحة النص: يعتبر سبينوزا أن هناك مبدأ تقوم عليه الدولة الديموقراطية و هو تحقيق الأمن و السلام للأفراد من خلال الإحتكام للقوانين التي وضعها و شرعها العقل و تم التعاقد عليها ، و بذلك يتم تجاوز قوانين الطبيعة التي تحتكم إلى الشهوة و الغريزة و تستند إلى القوة الفردية مما يؤدي إلى انتشار الفوضى و الظلم و العدوان و الكراهية و الصراع ، فالقانون المدني الذي تجسده الدولة كسلطة عليا هو قانون من وضع العقل و تشريعه، لذلك يجب على الأفراد الإمتثال له و الخضوع له حفاظا على حريتهم و حقوقهم لأنه يجسد العدالة و يسمح بأن يأخد كل ذي حق حقه بذلك تتحقق المساواة و الإنصاف من خلال ضمان حقوق الجميع و عدم التمييز بينهم سواء على اساس طبقي أو عرقي أو جنسي أو غيرهم ؟ إذا كانت العدالة هي تحقيق المساواة و الإنصاف و إعطاء كل ذي حق حقه فهل يمكن تحقيق الإنصاف لجميع الأفراد داخل المجتمع ؟
العدالة بين المساواة و الإنصاف:
إذا كانت العدالة هي تحقيق المساواة فهل يمكن تحقيقه لجميع الأفراد داخل المجتمع؟
نص:أفلاطون:
الإشكال: ماهي دلالة العدالة ؟ كيف يمكن تحقيقها على مستوى الفرد و المجتمع؟
الأطروحة : يبين أفلاطون من خلال تحقيق الإنسجام و التكافل بين قوى النفس القوة العاقلة القوة الغضبية ،القوة الشهوانية.
تتحقق السعادة النفسية إما على المستوى الإجتماعي فالعدالة هي تحقيق الإنسجام و التكامل بين الفئات و الطبقات المكونة للمجتمع الحكام الجنود عامة الناس حين يقوم كل واحد بالوظيفة التي هيأته طبيعته لها دون تذخله في شؤون غيره يتحقق التكامل و الإنسجام فتتحقق العدالة والفضيلة و بذلك تتحقق سعادة الدولة و المدينة.
لكن هل تتحقق المساواة المطلقة بنصف جميع الأفراد ألا يلحق الظلم و الجور في حق البعض؟
نص: ماكس شيلر:
الإشكال : هل المساواة المطلقة إنصاف و عدل أم ظلم و جور؟
أطروحة النص: ينطلق ماكس شيلر من انتقاد الإتجاهات الأخلاقية الحديثة التي تدعو إلى المساواة المطلقة بين الأفراد بغض النظر عن اختلاف طبائعهم و تفاوت قدراتهم و مؤهلاتهم، ليؤكد خلافا لذلك أن المساواة التي تحقق العدل والإنصاف هي التي تراعي اختلاف الناس في الطبائع و التفاوت في القدرات و المؤهلات فهي إعطاء كل ذي حق حقه اعتمادا على قدراته و مؤهلاته و عطائه.
البنية الحجاجية: يعتمد النص آلية النقد و التفنيد فهو ينتقد الإتجاه الأخلاقي الحديث الذي يساوي بين الناس مساواة مطلقة دون مراعاة للإختلافات الطبيعية و التفاوت و التحايز في القدرات و المؤهلات و يؤكد أن هذه المساواة نابعة من حقد وكراهية من طرف الضعفاء و المتخلفين، اتجاه الأقوياء والمتفوقين ليخلص إلى أن المساواة الحقيقية هي التي تحقق الإنصاف اعتمادا على مراعاة الإختلافات و التمايزات بين الأفراد حسب طبائعهم و مؤهلاتهم الفكرية و العقلية و الجسدية.
27Partager