بسم الله الرحمن الرحيم
ومما يدل على أن السنة قد عرفت في عهد النبي - صل الله عليه وسلم - باعتبارها قرينة للقرآن وتالية له.
1- ما رواه مسلم عن أنس بن مالك قال : (جاء ناس إلى النبي - صل الله عليه وسلم - فقالوا: أن ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار، يقال لهم القراء ...)(1).
2- عن أنس ، أن أهل اليمن قدموا على رسول الله - صل الله عليه وسلم -، فقالوا : ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام، قال : فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: (هذا أمين هذه الأمة)(2) .
3- عن أبي موسى الأشعري قال: إن رسول الله - صل الله عليه وسلم - خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال: (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا ....)(3).
4- عن معاذ بن جبل لما بعثه رسول الله - صل الله عليه وسلم - إلى اليمن قال: (كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله - صل الله عليه وسلم -، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله - صل الله عليه وسلم - ولا في كتاب الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله - صل الله عليه وسلم - صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)(4).
5- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (إنما سنَّ رسول الله - صل الله عليه وسلم - الزكاة في هذه الخمسة : في الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب والذرة )(5).
6- عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: (أمرنا رسول الله - صل الله عليه وسلم - أن لا تغلبونا على ثلاث : أن نأمر بالمعروف ، وننهى عن المنكر، ونعلم الناس السنن)(6).
وقد ظل هذا المعنى للسنة النبوية – أنها الطريقة المتبعة في الدين التالية للقرآن العظيم، الشاملة للأحكام الاعتقادية والعملية، واجبة كانت أو مندوبة أو مباحة – واضحا في أذهان الصحابة ومن بعدهم بعد وفاة النبي - صل الله عليه وسلم -، والشواهد على ذلك كثيرة ، منها :
1-عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال: (جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - تسأله ميراثها، فقال : ما لك في كتاب الله تعالى شيء، وما علمت لك في سنة نبي الله - صل الله عليه وسلم - شيئاً فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله - صل الله عليه وسلم - أعطاها السدس ...)(7).
2- قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- في حديث فاطمة بنت قيس - رضي الله عنه -: (لا نترك كتاب الله وسنة نبينا - صل الله عليه وسلم - لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت ....)(
.
3-عن شقيق بن سلمة قال : سمعت الصبي بن معبد يقول: (كنت رجلاً نصرانياً فأسلمت، فأهللت بالحج والعمرة ، فسمعني سلمان بن ربيعة، وزيد بن صوحان وأنا أهل بهما جميعا بالقادسية، فقالا: لهذا أضل من بعيره، فكأنما حملا علي جبلاً بكلمتهما، فقدمت على عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له، فأقبل عليهما، فلامهما، ثم أقبل عليّ فقال: هديت لسنة النبي - صل الله عليه وسلم -، هديت لسنة النبي - صل الله عليه وسلم -)(9).
4-وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أيضاً: (سيأتي أناس يجادلونكم بشبهات القرآن ، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله)(10).
5-وقال عمر بن الخطاب أيضا في كتابه لشريح القاضي: (إن جاءك شيء في كتاب الله فاقض به، ولا يلتفتك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله - صل الله عليه وسلم - فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله - صل الله عليه وسلم - فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به ...)(11).
6-وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (ما سألتمونا عن شيء من كتاب الله تعالى نعلمه أخبرناكم به، أو سنة من نبي الله - صل الله عليه وسلم - أخبرناكم به، ولا طاقة لنا بما أحدثتم )(12).
7-وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - أيضاً: (فإذا سئلتم عن شيء فانظروا في كتاب الله، فإن لم تجدوه في كتاب الله ففي سنة رسول الله ، فإن لم تجدوه في سنة رسول الله فما أجمع عليه المسلمون ...)(13).
8-وقال سالم : (كان عبد الله بن عمر يفتي بالذي أنزل الله - عزَّ وجلَّ- من الرخصة بالتمتع وسن رسول الله - صل الله عليه وسلم - فيه: فيقول ناس لابن عمر: كيف تخالف أباك؟ وقد نهى عن ذلك، فيقول لهم عبد الله: ويلكم ألا تتقون الله! إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغي فيه الخير، يلتمس به تمام العمرة، فلم تحرمون ذلك ؟وقد أحله الله وعمل به رسول الله - صل الله عليه وسلم ، أفرسول الله - صل الله عليه وسلم - أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر؟)(14).
9-وعن جابر بن زيد، أن ابن عمر لقيه في الطواف، فقال له : يا أبا الشعثاء، إنك من فقهاء البصرة ، فلا تفت إلا بقرآن ناطق ، أو سنة ماضية ، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت(15).
10- وعن سالم بن عبد الله بن عمر، أن الحجاج بن يوسف عام نزل بابن الزبير - رضي الله عنهما - سأل عبد الله : كيف تصنع في الموقف يوم عرفة ؟ فقال سالم: إن كنت تريد السنة فَهجِّر بالصلاة يوم عرفة، فقال عبد الله بن عمر : صدق ، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة، فقلت – القائل ابن شهاب الراوي عن سالم – لسالم : أفعل ذلك رسول الله - صل الله عليه وسلم - ؟ فقال سالم : وهل تتبعون في ذلك إلا سنته(16).
يقول السيوطي: (فنقل سالم وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وأحد الحفاظ من التابعين عن الصحابة أنهم إذا أطلقوا (السنة) لا يريدون بذلك إلا سنة النبي - صل الله عليه وسلم -)(17).
11- وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - حين قال له رجل: أرأيت أرأيت، فقال: (اجعل أرأيت باليمن، إنما هي السنن)(17) . أي الدين المأثور عن رسول الله - صل الله عليه وسلم -.
12- وعن عكرمة قال: كان ابن عباس يضع في رجلي الكبل – القيد – ويعلمني القرآن والسنن(19).
13- وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة ، حتى تحيا البدع وتموت السنن)(20).
14- وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (الهوى عند من خالف السنة حق وإن ضربت فيه عنقه)(21).
15- وقال أبي بن كعب - رضي الله عنه -: (عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ما من عبد على السبيل والسنة وذكر الرحمن ، ففاضت عيناه من خشية الله - عزَّ وجلَّ - فيعذبه)(22).
(1) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد، رقم ( 4917) .
(2) أخرجه مسلم ، كتاب الفضائل ، باب من فضائل أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -، رقم ( 6253) .
(3) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة ، باب التشهد في الصلاة ، رقم ( 904) .
(4) أخرجه أبو داود ، كتاب الأقضية ، باب اجتهاد الرأي في القضاء ، رقم ( 3592) ، والترمذي ، كتاب الأحكام ، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي ، رقم ( 1327) ، وأحمد في المسند ( 5/230) ، والدارمي في سننه ، المقدمة ، باب الفتيا وما فيها من الشدة ، رقم (170) والبيهقي في الكبرى، كتاب أدب القضاء، باب ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي 10/114، وصححه ابن القيم في " إعلام الموقعين " ( 1/243-244) ، وقال ابن كثير في تفسيره ( 1/3) ، وهذا الحديث في المسند والسنن بسند جيد، وضعفه البخاري وابن الجوزي وابن حزم وغيرهم .
(5) أخرجه ابن ماجه ، كتاب الزكاة ، باب ما تجب فيه الزكاة من الأموال ، رقم ( 1815) .
(6) أخرجه أحمد في المسند ( 5/165) ، والدارمي ، المقدمة ، باب البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليم السنن ، رقم ( 549) .
(7) أخرجه أبو داود ، كتاب الفرائض ، باب في الجدة، رقم ( 2894) ، والترمذي، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجدة، رقم ( 2100) وقال : هذا حديث حسن صحيح .
(
أخرجه مسلم ، كتاب الطلاق ، باب المطلقة البائن لا نفقة لها، رقم ( 3710) .
(9) أخرجه ابن ماجه ، كتاب المناسك ، باب من قرن الحج والعمرة ، رقم ( 2970) .
(10) أخرجه الدارمي ، المقدمة ، باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة ، رقم ( 119) .
(11) أخرجه الدرامي، المقدمة ، باب الفتيا وما فيه من الشدة ، رقم ( 167) .
(12) أخرجه الدارمي ، المقدمة ، باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة ، رقم ( 101) .
(13) أخرجه الدارمي ، المقدمة ، باب الفتيا وما فيه من الشدة ، رقم ( 169) .
(14) أخرجه أحمد في مسنده ( 2/95) .
(15) أخرجه الدارمي ، المقدمة ، باب الفتيا وما فيه من الشدة ، رقم ( 164) .
(16) أخرجه البخاري ، كتاب الحج، باب الجمع بين الصلاتين بعرفة ، رقم ( 1662) .
(17) تدريب الراوي 1/189.
(18) الشرح والإبانة ص 126.
(19) خرجه الدارمي، المقدمة، باب البلاغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعليم الناس السنن ، رقم ( 559) .
(20) البدع لابن وضاح ص 38.
(21) الشرح والإبانة ص 122.
(22) أخرجه أبو نعيم في الحلية ( 1/352-353 ) واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد ( 1/54رقم 10 ) .